لا أعرف على من تقع مسئولية حالة الارتباك التى أصابت صفوف الإخوان المسلمين فى انتخاباتهم الأخيرة لاختيار أعضاء مكتب الإرشاد وانتخاب مرشد جديد للجماعة خلفا للسيد مهدى عاكف، ورغم أننى غير متخصص فى شئون الجماعة ولا أعرف الكثير عنها فإننى أحمل تعاطا قديما معها.. ربما انتقل إلىّ من والدى ــ رحمه الله ــ العالم الأزهرى المستنير، ورغم أنه كان وفدى الهوى فإنه كان يحدثنى كثيرا عن التجربة الصعبة التى خاضتها جماعة الإخوان المسلمين فى كل العصور، إنها من أكثر الفصائل السياسية التى عانت من الظلم والاضطهاد فى تاريخ مصر السياسى. كانت تجربة الإخوان المسلمين تجربة قاسية ما بين المعتقلات والسجون ومشانق الإعدام، وظلت هذه التجربة تؤكد صور البطش السياسى فى مراحل مختلفة من تاريخ مصر الحديث. ولعل ما بقى فى الذاكرة من قصص وحكايات عن الاضطهاد الذى تعرض له الإخوان، ذلك الشاب المميز الذى اختفى يوما من قريتنا وكان من أبرز شبابها الذين درسوا فى جامعة القاهرة.. كنت يومها طالبا صغيرا فى المرحلة الإعدادية عندما جاءت قوات الأمن وزوّار الفجر ليلا وألقوا القبض عليه.. وتاه فى سجون مصر متنقلا بينها.. ومات أبوه.. ثم ماتت أمه وهو قابع فى سجن الواحات.. مرت سنوات طويلة وتخرجت فى الجامعة وعملت بالصحافة، ثم رأيته يوما أطلال شيخ عجوز.. كل ما ارتكب هذا الشاب من الجرائم أنه كان يحتفظ ببعض كتب الإخوانى الكبير السيد قطب رحمة الله عليه. كان هذا فى بداية الستينيات، حيث شهدت مصر أعنف المواجهات بين الدولة والإخوان المسلمين منذ قيام ثورة يوليو رغم أن الكثيرين من رموزها كانوا على قدر كبير من التواصل مع الجماعة.. كانت قمة هذه المواجهة هى قرار إعدام الشهيدين سيد قطب وعبدالقادر عودة رحمة الله عليهما.
ليلة إعدام عودةحكى لى الصديق عبدالغفار عودة الفنان الكبير الراحل قصة عن الليلة الأخيرة التى تم فيها إعدام شقيقه عبدالقادر عودة وقد سمعها من أحد المقربين من الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، كانت هناك علاقة صداقة ومودة بين عبدالناصر وعبدالقادر عودة فى شبابهما عندما كان عبدالناصر قريبا من الإخوان المسلمين، وفى الليلة التى تم فيها تنفيذ حكم الإعدام استيقظ عبدالناصر من نومه مبكرا واتصل بسامى شرف وطلب منه وقف تنفيذ حكم الإعدام فى عبدالقادر عودة، وعندما اتصل سامى شرف بوزير الداخلية لوقف حكم الإعدام أخبروه أن عودة قد تم إعدامه بالفعل. كانت قصة عبدالناصر مع الإخوان قصة طويلة من الصراعات ومحاولات الاغتيال، خاصة أن حادثة المنشية ومحاولة اغتيال عبدالناصر بقيت من الفصول الغامضة فى العلاقة بين الإخوان المسلمين والثورة.. كانت الفترة الناصرية من أكثر الفترات التى تعرضت فيها جماعة الإخوان المسلمين للبطش والتعذيب فى السجون والمعتقلات. عندما جاء الرئيس الراحل أنور السادات بدأ صفحة جديدة مع الإخوان المسلمين كانت من أزهى فترات المصالحة بينهم وبين ثورة يوليو، فقد أخرجهم من السجون والمعتقلات والتقى بقياداتهم.. وفتح لهم أبواب الجامعات على مصراعيها وخلال سنوات قليلة امتد نفوذ الإخوان فى كل الجامعات المصرية.. ثم كان المد الأكبر داخل النقابات المهنية.. كان السادات لا يحب الإخوان ولكنه بخلفياته الدينية كان لا يكرههم وإن لم يتعاطف معهم.. وتحت راية محاربة اليسار والناصريين كان الاتفاق غير المكتوب بين السادات وجماعة الإخوان المسلمين ولكن هذا الاتفاق لم يستمر طويلا أمام طموحات الإخوان وأطماعهم.
ظاهرة تستحق الدراسةوالآن رغم كل ما يقال فى الإعلام المصرى عن الجماعة المحظورة وعن الصراع الأزلى بينها وبين السلطة فى مصر.. ورغم كل الاعتقالات والمحاكمات والسجون التى تحتوى العشرات من قياداتهم فإن الأمر الغريب حقا هو ما حدث فى الأيام الأخيرة بين الدولة والإخوان هناك ظواهر تستحق الدراسة وتطرح أكثر من سؤال. إذا كانت جماعة الإخوان المسلمين جماعة محظورة وغير مصرح لها بأى نشاط سياسى، فكيف ملأت أخبارها كل الصحف المصرية سواء القومية أو المستقلة أو الحزبية.. عشرات الصفحات التى امتلأت بأخبار الجماعة المحظورة طوال الأسابيع الأخيرة.. كيف تمت الانتخابات والاختيارات والترشيحات بعيدا عن عيون أجهزة الأمن وهل تمت بالفعل فى هذا السياق أم أن الأمن كان يعرف كل صغيرة وكبيرة عن هذه الأحداث التى تبدو غامضة وسرية ولكنها فى حقيقة الأمر واضحة أمام الجميع. لأول مرة تقريبا نسمع عن صراعات ومعارك وتحالفات داخل جماعة الإخوان المسلمين.. حيث تم إقصاء أسماء لها ثقل تاريخى مثل د. محمد حبيب ود. عبدالمنعم أبوالفتوح بينما تم تصعيد أسماء أخرى مثل د. العريان.. فمن الذى سمح بنشر هذه الصراعات التى تهدد وحدة الجماعة. وهل كان هذا النشر أمرا مقصودا أم أنه جاء على غير إرادة قيادات الإخوان المسلمين؟ وكيف تسربت هذه الخلافات والصراعات إلى هذا الكيان العتيد لتجعل منه مصدرا للقصص والحكايات؟
تجاوزات و أخطاءلأول مرة نسمع عن تجاوزات مادية ورواتب ومصاريف ونفقات فاجأت الرأى العام حول الجانب المالى فى نشاط الجماعة.. فهل كانت هذه الأخبار جميعها محل دراسة قبل أن تصبح حقا مشروعا لوسائل الإعلام؟ ومن كان وراء ذلك كله خاصة أنها تتعلق بأسرار دقيقة فى قلب الجماعة؟ كانت هناك أحاديث معلنه عن أخطاء فى الانتخابات التى جرت فى ساحة الإخوان ابتداء باستبعاد بعض رموزها وانتهاء بتغلب تيار معين، ولم يخل الأمر من اتهامات بأن الانتخابات شهدت عمليات تزوير فى نتائجها.. فما مدى صحة هذه الاتهامات؟ وهل شهدت الجماعة بالفعل مثل هذه التجاوزات؟ وكيف ستواجه الجماعة الرأى العام أمام هذه الاتهامات؟ ربما كان إصرار المرشد العام السيد مهدى عاكف على ترك موقعه فى الجماعة واختيار مرشد آخر أهم رسالة وجهتها الجماعة للمصريين، عملا بمبدأ تداول السلطة وكان على المرشد العام أن يبدأ بنفسه. ولأول مرة نجد هجوما على الإخوان من داخل الجماعة نفسها بل إن هناك من يقول أن ساحة الإخوان قد شهدت حالات تمرد بين صفوف الشباب وأجيال الوسط أمام نتائج الانتخابات التى لم تقبل بها جموع الشباب، حيث استبعدت تيار الإصلاح من قيادة الجماعة، والغريب أن نجد أصداء هذه الخلافات على شاشات النت ومجادلات المواطنين وما يكتب فى الصحافة وما يذاع على الفضائيات.. إن السؤال الآن: هل تمت كل هذه الخطوات بعيدا عن أجهزة الأمن؟ وكيف نوفق بين من يطلقون على الجماعة أنها محظورة بينما كل ما يجرى وما يدور فيها يتم تحت عين الحكومة وبصيرة الشعب والإعلام بكل ألوانه وتوجهاته.
حقيقة موقف الحكومةفهل سمحت الحكومة بذلك لأن هناك شيئا ما يحدث على هواها.. أم لأنها فى الحقيقة تبارك هذه الانقسامات فى صفوف الإخوان خاصة إذا قيل بأنها تعكس حالة من الصراع العنيف واختلاف المواقف بين القيادات الإخوانية.. هل هناك فريق اختار أن ينفصل فى هذا التوقيت بالذات فى ظل صفقة مع الدولة؟ وما حدود وبنود هذه الصفقة؟ هل هى حصة محدودة فى الانتخابات التشريعية القادمة؟ هل هى شكل جديد لمنظومة سياسية للإخوان تكون مقبولة من الدولة؟ أو بمعنى آخر هل هى مشروع حزب سياسى جديد يخرج من الجماعة المحظورة ويقدم صيفة سياسية معاصرة؟ منذ فترة طويلة والعقلاء يطالبون جماعة الإخوان المسلمين بأن تخرج من تاريخها الطويل وتبدأ صفحة جديدة فى الحياة السياسية والحزبية فى مصر. عندما حققت جماعة الإخوان المسلمين فوزها التاريخى فى الانتخابات التشريعية الأخيرة فى مجلس الشعب الحالى وفازت بأكثر من 85 مقعدا طالبت قيادات الجماعة يومها بأن تبدأ صفحة جديدة فى العمل السياسى يقوم على الحوار واحترام الحريات والديمقراطية الحقيقية بعيدا عن المنطلقات الدينية التى تقيد حركة الجماعة وتحد من انطلاقها. قلت يومها أننا مسلمون مؤمنون موحدون بالخالق سبحانه وتعالى ونبينا عليه أفضل الصلاة والسلام، ولكن فى عالم معاصر تغيرت فيه المفاهيم والأراء والأزمات والنكبات، لابد أن نتعامل مع هذا العصر بلغته ومفاهيمه.. ليكن الإسلام بأفكاره ومبادئه وسلوكياته هو المنطلق والمرجعية.. ولتكن الشريعة الإسلامية هى الهدى والمنار.. ولكن حين نتحاور ونختلف لا ينبغى أن يتحدث شخص باسم السماء ويرى أنه يتكلم باسم الخالق سبحانه وتعالى ويطلب من الناس حوارا بشريا.. إذا أعطيت نفسى الحق فى أن أتكلم باسم الله فهذا حجر على كل رأى يتحدث باسم الخلق، ولهذا ينبغى أن يكون الحديث كل الحديث كلاما للبشر.. ولنجعل الحوار كل الحوار اختلافا بين عقول تفكر وترفض وتجادل.. أما أن أخص نفسى دون غيرى بأن كلامى شىء مقدس لأنه كلام الله فهذا أمر لا يجوز فى دنيا البشر.
عالم يتغيرنحن أمام عالم يتغير كل يوم ولابد أن تكون هناك ردود أفعال متغيرة أمام هذا الواقع.. نحن أمام اختراعات تنسخ بعضها البعض، وأمام سياسات مثل نشرة الأحوال الجوية تحتاج إلى المرونة أحيانا والمراوغة فى أحيان أخرى.. بل إنها تعترف بالأعمال الرديئة، فكيف بالله نخلط العقائد بتجردها وقدسيتها بكل هذا الواقع القبيح؟! لتكن الرسالات السماوية دليلا لنا ولكن ينبغى أن نحافظ على قدسية ثوابتها. إننى على يقين أن بين قيادات جماعة الإخوان المسلمين عقولا كثيرة تفكر من هذا المنطلق ولكنها لا تبوح بذلك أمام ثوابت أغلقت عقول البعض الآخر.. إننا نقدس ديننا ونحترم ثوابته ونواهيه ولكن ينبغى أن يبقى هذا الدين فى عليائه بعيدا عن صخب السياسة وأساليبها وملاعبها.. قد يقول البعض ولماذا لا نطهر السياسة من آثامها؟.. ليس بيننا من يرفض ذلك ولكن بشرط ألا يكون ذلك صداما بين الدين والدنيا.. وبين الحياة والآخرة.. وبين من يتحدث باسم الله ومن يرى أن الله أكبر من أن يتحدث أحد باسمه، وأمامنا تجارب كثيرة فى الدول الإسلامية لأحزاب تمارس العمل السياسى وتحكم من خلال ثوابت دينية ولكنها تعمل فى إطار سياسى مشروع كما حدث فى تركيا وباكستان.. لقد تمنيت كثيرا أن أرى اليوم الذى تصبح فيه جماعة الإخوان المسلمين حزبا سياسيا مؤثرا وفعالا فى الشارع المصرى، وأنا أعرف من رموزها من يستحق أن يأخذ مكانه ومكانته فى العمل السياسى أمثال الأستاذ مهدى عاكف ود. أبوالفتوح ود. العريان ومحمد عبدالقدوس ود. حشمت وهناك أيضا عدد من كبار مفكرينا وكتابنا الذين لا ينتمون إلى الجماعة تنظيميا ولكنهم يمثلون فصيلا فكريا متفتحا فيها.. فهل نحن على أبواب مرحلة جديدة فى تاريخ الإخوان المسلمين تفتح فيه أبوابها لتيارات سياسية مختلفة.؟. وهل نحن أمام ميلاد تيار إصلاحى جديد فى الجماعة المحظورة ربما يخرج بها من المحظور إلى المعلن؟.. لقد كان للإخوان تحفظات كثيرة على التجربة الناصرية وقد تلاشت كل هذه التحفظات أمام واقع جديد اختلفت فيه الأفكار والمفاهيم والرؤى، وكانت لهم تجربة أخرى مع السادات انتهت أيضا نهاية غير سعيدة، والآن نراهم على المسرح السياسى ينتخبون ويعارضون ويرفضون.. فلماذا لا يكون هذا الحضور عملا مشروعا بعيدا عن مراقبة الأمن ومطاردات السلطة؟
جماعة سياسيةأنا لم أنظر فى يوم من الأيام إلى جماعة الإخوان المسلمين على أساس أنها جماعة دينية تدعو للحلال وتقيم الشعائر وتوصى بالزكاة.. وهى بالفعل ليست كذلك.. إنها جماعة سياسية واضحة الأهداف والأفكار والمسئولية.. إن نشاط الإخوان المسلمين فى الشارع المصرى أبعد ما يكون عن النشاط الدينى.. إن إقامة المستوصفات والمدارس والخدمات الاجتماعية والتبرعات ودور الرعاية للمسنين والأطفال والأيتام والكتب الجامعية والملابس للطلبة والطالبات كل هذه الأنشطة الاجتماعية لا علاقة لها بالنشاط الدينى لأنها يمكن أن تجمع فى أهدافها المسلمين والأقباط.. حين يدخل شخص مريض مستوصفا أو مستشفى يتبع الإخوان المسلمين لا يسأله أحد عن عقيدته ولكنه يتلقى العلاج والدواء والرعاية مثل كل المسلمين.. هذه الأنشطة الإنسانية هى التى قربت بين الإخوان المسلمين والمواطنين، ولا أعتقد أن الإخوان يؤمون الناس فى الصلاة أو يؤذنون فى المساجد أو يقيمون الحضره.. ولو أننا نظرنا إلى آخر تشكيل لمكتب الإرشاد لاكتشفنا أن أغلب الأعضاء فيه أطباء وأساتذة فى الجامعات، وجميعهم تقريبا تخصصات علمية بارزة ومميزة ولا يوجد بينهم إلا عضو واحد من أصول الدين. إن أعضاء مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين بينهم خمسة مهندسين وأساتذة فى الهندسة هم السادة خيرت الشاطر د. محمد على بشر ود. محمد مرسى ود. محمود حسين وسعد الحسينى، ومن بين الأعضاء 7 أطباء هم الدكاترة محمود عزت ومحمد بديع ومحيى حامد ومحمود أبوزيد ومحمد المرسى وعصام العريان ومصطفى غنيمى.. ومن بين أعضاء مكتب الإرشاد أيضا أساتذة فى كليات العلوم والزراعة والطب البيطرى وهم د. محمد بديع ورشاد بيومى ومحمد غزلان وسعد الكتاتنى ود. أسامة نصرالدين.. لقد اختفى جيل كامل من علماءالدين كان على رأس هذه الجماعة والدليل أن 11 عضوا من مكتب الإرشاد أساتذة فى الجامعات المصرية وبالتحديد فى كليات عملية وعلمية وليست نظرية، ولا شك أن هذا التحول فى مسيرة الجماعة يطرح أكثر من تساؤل حول مستقبلها، وهل تعود كما كانت جماعة دينية أم أن التحول فى أهدافها وثوابتها سوف يجعلها بالضرورة أقرب للسياسة وأبعد عن الدين. هذه التركيبة الثقافية والفكرية والعلمية المميزة قد خلت تقريبا من رجال الدين ولهذا لا يمكن أن نضعها فى قوائم الجمعيات الدينية سواء فى الشعائر أو الفتوى أو الدعوة، إنهم علماء وأطباء وأصحاب فكر، ومن بين أعضاء الجماعة أيضا ألاف الأطباء والمتخصصون فى العلوم الإنسانية، وللجماعة مواقع مميزة فى النقابات المهنية خاصة نقابات الأطباء والصحفيين والمهندسين والصيادلة.. وهذه التركيبة لا تتناسب فى تقديرى مع جماعة محظورة تعمل فى الخفاء وربما تكون الانتخابات الأخيرة التى دارت فى ساحة الجماعة بداية انطلاقة جديدة نحو نشاط سياسى مشروع وواضح وصريح. لقد شهدت الساحة الانتخابات والترشيحات والنتائج وكل ذلك جرى أمام عين الدولة وسلطات الأمن وعلى صفحات الجرائد بكل ألوانها. إن هذا الوضوح وهذه الصراحة تتطلب من الطرفين إعادة دراسة الموقف بصورة أوسع وأشمل.
تغيير المنطلقاتعلى الجماعة المحظورة وقد وجدت نفسها أو أوجدت نفسها فى هذه المنظومة الجديدة أن تغير منطلقاتها الفكرية بحيث تصبح أكثر انفتاحا على الآخرين وتخرج من هذه الشرنقة التى وضعت نفسها فيها عشرات السنين.. إن من بين رموز هذه الجماعة كوكبة من العلماء وأهل الفكر والأطباء يمكن أن يشاركوا بفكرهم فى طرح مفاهيم وأفكار جديدة نحو حياة أفضل ومستقبل أكثر ثراء وتفاعلا لهذا الوطن.. كما أن للجماعة رصيدا سياسيا فى الشارع ينبغى أن يتجاوز آفاقا ثوابت مرت عليها عصور كثيرة.. يجب أن يكون للإخوان المسلمين دور ومشاركة فى حركة المجتمع المصرى بكل طوائفه وعقائده وأفكاره لأنها بالفعل مهيئة لأن تقوم بهذا الدور وسوف تستقطب فى ظل هذه الرؤى الكثيرين من أصحاب الفكر والرأى والمشورة. إن الانقسام بين صفوف الجماعة يأخذه البعض على أنه ظاهرة سلبية بينما يراه البعض الآخر ظاهرة إيجابية لأنه يفتح أبواب الحوار والخلاف والجدل وربما خرج من صفوفه من يؤمن بالعمل السياسى بعيدا عن قدسية الدين وثوابته التى نقدرها جميعا وتمثل إيمانا ويقينا فى قلوبنا ولكن ينبغى أن تظل هذه الثوابت بعيدة عن عواصف السياسة والتى تختلف تماما عن مقدسات العقائد. إن ما حدث قد يكون بداية انفتاح جديد بين الدولة والجماعة المحظورة بحيث تتهيأ الأجواء والظروف لإعلان قيام حزب جديد تتمثل فيه كل تيارات العمل السياسى داخل الإخوان المسلمين.. وسواء كانت الدولة تسعى لذلك فى الانتخابات الأخيرة للإخوان أو أن ذلك جاء من بعض رموز الجماعة فإن النتيجة واحدة؛ أن نجد هذا الكيان السياسى وقد تشكل بعيدا عن منطلقاته التراثية القديمة وأصبح جزءا من واقع سياسى ووطنى نسعى إلى تغييره نحو مستقبل أفضل. هل ما حدث فى انتخابات الإخوان المسلمين كان استقطابا أمنيا أم حركة إصلاحية داخل الجماعة أم أن كل هذه الأحداث لم تكن أكثر من مناورات بين السلطة وجماعة الإخوان، وما هى إلا حلقة من حلقات صراع قديم مازال حتى الآن قائما وإن أخذ أشكالا وصورا جديدة.
ليلة إعدام عودةحكى لى الصديق عبدالغفار عودة الفنان الكبير الراحل قصة عن الليلة الأخيرة التى تم فيها إعدام شقيقه عبدالقادر عودة وقد سمعها من أحد المقربين من الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، كانت هناك علاقة صداقة ومودة بين عبدالناصر وعبدالقادر عودة فى شبابهما عندما كان عبدالناصر قريبا من الإخوان المسلمين، وفى الليلة التى تم فيها تنفيذ حكم الإعدام استيقظ عبدالناصر من نومه مبكرا واتصل بسامى شرف وطلب منه وقف تنفيذ حكم الإعدام فى عبدالقادر عودة، وعندما اتصل سامى شرف بوزير الداخلية لوقف حكم الإعدام أخبروه أن عودة قد تم إعدامه بالفعل. كانت قصة عبدالناصر مع الإخوان قصة طويلة من الصراعات ومحاولات الاغتيال، خاصة أن حادثة المنشية ومحاولة اغتيال عبدالناصر بقيت من الفصول الغامضة فى العلاقة بين الإخوان المسلمين والثورة.. كانت الفترة الناصرية من أكثر الفترات التى تعرضت فيها جماعة الإخوان المسلمين للبطش والتعذيب فى السجون والمعتقلات. عندما جاء الرئيس الراحل أنور السادات بدأ صفحة جديدة مع الإخوان المسلمين كانت من أزهى فترات المصالحة بينهم وبين ثورة يوليو، فقد أخرجهم من السجون والمعتقلات والتقى بقياداتهم.. وفتح لهم أبواب الجامعات على مصراعيها وخلال سنوات قليلة امتد نفوذ الإخوان فى كل الجامعات المصرية.. ثم كان المد الأكبر داخل النقابات المهنية.. كان السادات لا يحب الإخوان ولكنه بخلفياته الدينية كان لا يكرههم وإن لم يتعاطف معهم.. وتحت راية محاربة اليسار والناصريين كان الاتفاق غير المكتوب بين السادات وجماعة الإخوان المسلمين ولكن هذا الاتفاق لم يستمر طويلا أمام طموحات الإخوان وأطماعهم.
ظاهرة تستحق الدراسةوالآن رغم كل ما يقال فى الإعلام المصرى عن الجماعة المحظورة وعن الصراع الأزلى بينها وبين السلطة فى مصر.. ورغم كل الاعتقالات والمحاكمات والسجون التى تحتوى العشرات من قياداتهم فإن الأمر الغريب حقا هو ما حدث فى الأيام الأخيرة بين الدولة والإخوان هناك ظواهر تستحق الدراسة وتطرح أكثر من سؤال. إذا كانت جماعة الإخوان المسلمين جماعة محظورة وغير مصرح لها بأى نشاط سياسى، فكيف ملأت أخبارها كل الصحف المصرية سواء القومية أو المستقلة أو الحزبية.. عشرات الصفحات التى امتلأت بأخبار الجماعة المحظورة طوال الأسابيع الأخيرة.. كيف تمت الانتخابات والاختيارات والترشيحات بعيدا عن عيون أجهزة الأمن وهل تمت بالفعل فى هذا السياق أم أن الأمن كان يعرف كل صغيرة وكبيرة عن هذه الأحداث التى تبدو غامضة وسرية ولكنها فى حقيقة الأمر واضحة أمام الجميع. لأول مرة تقريبا نسمع عن صراعات ومعارك وتحالفات داخل جماعة الإخوان المسلمين.. حيث تم إقصاء أسماء لها ثقل تاريخى مثل د. محمد حبيب ود. عبدالمنعم أبوالفتوح بينما تم تصعيد أسماء أخرى مثل د. العريان.. فمن الذى سمح بنشر هذه الصراعات التى تهدد وحدة الجماعة. وهل كان هذا النشر أمرا مقصودا أم أنه جاء على غير إرادة قيادات الإخوان المسلمين؟ وكيف تسربت هذه الخلافات والصراعات إلى هذا الكيان العتيد لتجعل منه مصدرا للقصص والحكايات؟
تجاوزات و أخطاءلأول مرة نسمع عن تجاوزات مادية ورواتب ومصاريف ونفقات فاجأت الرأى العام حول الجانب المالى فى نشاط الجماعة.. فهل كانت هذه الأخبار جميعها محل دراسة قبل أن تصبح حقا مشروعا لوسائل الإعلام؟ ومن كان وراء ذلك كله خاصة أنها تتعلق بأسرار دقيقة فى قلب الجماعة؟ كانت هناك أحاديث معلنه عن أخطاء فى الانتخابات التى جرت فى ساحة الإخوان ابتداء باستبعاد بعض رموزها وانتهاء بتغلب تيار معين، ولم يخل الأمر من اتهامات بأن الانتخابات شهدت عمليات تزوير فى نتائجها.. فما مدى صحة هذه الاتهامات؟ وهل شهدت الجماعة بالفعل مثل هذه التجاوزات؟ وكيف ستواجه الجماعة الرأى العام أمام هذه الاتهامات؟ ربما كان إصرار المرشد العام السيد مهدى عاكف على ترك موقعه فى الجماعة واختيار مرشد آخر أهم رسالة وجهتها الجماعة للمصريين، عملا بمبدأ تداول السلطة وكان على المرشد العام أن يبدأ بنفسه. ولأول مرة نجد هجوما على الإخوان من داخل الجماعة نفسها بل إن هناك من يقول أن ساحة الإخوان قد شهدت حالات تمرد بين صفوف الشباب وأجيال الوسط أمام نتائج الانتخابات التى لم تقبل بها جموع الشباب، حيث استبعدت تيار الإصلاح من قيادة الجماعة، والغريب أن نجد أصداء هذه الخلافات على شاشات النت ومجادلات المواطنين وما يكتب فى الصحافة وما يذاع على الفضائيات.. إن السؤال الآن: هل تمت كل هذه الخطوات بعيدا عن أجهزة الأمن؟ وكيف نوفق بين من يطلقون على الجماعة أنها محظورة بينما كل ما يجرى وما يدور فيها يتم تحت عين الحكومة وبصيرة الشعب والإعلام بكل ألوانه وتوجهاته.
حقيقة موقف الحكومةفهل سمحت الحكومة بذلك لأن هناك شيئا ما يحدث على هواها.. أم لأنها فى الحقيقة تبارك هذه الانقسامات فى صفوف الإخوان خاصة إذا قيل بأنها تعكس حالة من الصراع العنيف واختلاف المواقف بين القيادات الإخوانية.. هل هناك فريق اختار أن ينفصل فى هذا التوقيت بالذات فى ظل صفقة مع الدولة؟ وما حدود وبنود هذه الصفقة؟ هل هى حصة محدودة فى الانتخابات التشريعية القادمة؟ هل هى شكل جديد لمنظومة سياسية للإخوان تكون مقبولة من الدولة؟ أو بمعنى آخر هل هى مشروع حزب سياسى جديد يخرج من الجماعة المحظورة ويقدم صيفة سياسية معاصرة؟ منذ فترة طويلة والعقلاء يطالبون جماعة الإخوان المسلمين بأن تخرج من تاريخها الطويل وتبدأ صفحة جديدة فى الحياة السياسية والحزبية فى مصر. عندما حققت جماعة الإخوان المسلمين فوزها التاريخى فى الانتخابات التشريعية الأخيرة فى مجلس الشعب الحالى وفازت بأكثر من 85 مقعدا طالبت قيادات الجماعة يومها بأن تبدأ صفحة جديدة فى العمل السياسى يقوم على الحوار واحترام الحريات والديمقراطية الحقيقية بعيدا عن المنطلقات الدينية التى تقيد حركة الجماعة وتحد من انطلاقها. قلت يومها أننا مسلمون مؤمنون موحدون بالخالق سبحانه وتعالى ونبينا عليه أفضل الصلاة والسلام، ولكن فى عالم معاصر تغيرت فيه المفاهيم والأراء والأزمات والنكبات، لابد أن نتعامل مع هذا العصر بلغته ومفاهيمه.. ليكن الإسلام بأفكاره ومبادئه وسلوكياته هو المنطلق والمرجعية.. ولتكن الشريعة الإسلامية هى الهدى والمنار.. ولكن حين نتحاور ونختلف لا ينبغى أن يتحدث شخص باسم السماء ويرى أنه يتكلم باسم الخالق سبحانه وتعالى ويطلب من الناس حوارا بشريا.. إذا أعطيت نفسى الحق فى أن أتكلم باسم الله فهذا حجر على كل رأى يتحدث باسم الخلق، ولهذا ينبغى أن يكون الحديث كل الحديث كلاما للبشر.. ولنجعل الحوار كل الحوار اختلافا بين عقول تفكر وترفض وتجادل.. أما أن أخص نفسى دون غيرى بأن كلامى شىء مقدس لأنه كلام الله فهذا أمر لا يجوز فى دنيا البشر.
عالم يتغيرنحن أمام عالم يتغير كل يوم ولابد أن تكون هناك ردود أفعال متغيرة أمام هذا الواقع.. نحن أمام اختراعات تنسخ بعضها البعض، وأمام سياسات مثل نشرة الأحوال الجوية تحتاج إلى المرونة أحيانا والمراوغة فى أحيان أخرى.. بل إنها تعترف بالأعمال الرديئة، فكيف بالله نخلط العقائد بتجردها وقدسيتها بكل هذا الواقع القبيح؟! لتكن الرسالات السماوية دليلا لنا ولكن ينبغى أن نحافظ على قدسية ثوابتها. إننى على يقين أن بين قيادات جماعة الإخوان المسلمين عقولا كثيرة تفكر من هذا المنطلق ولكنها لا تبوح بذلك أمام ثوابت أغلقت عقول البعض الآخر.. إننا نقدس ديننا ونحترم ثوابته ونواهيه ولكن ينبغى أن يبقى هذا الدين فى عليائه بعيدا عن صخب السياسة وأساليبها وملاعبها.. قد يقول البعض ولماذا لا نطهر السياسة من آثامها؟.. ليس بيننا من يرفض ذلك ولكن بشرط ألا يكون ذلك صداما بين الدين والدنيا.. وبين الحياة والآخرة.. وبين من يتحدث باسم الله ومن يرى أن الله أكبر من أن يتحدث أحد باسمه، وأمامنا تجارب كثيرة فى الدول الإسلامية لأحزاب تمارس العمل السياسى وتحكم من خلال ثوابت دينية ولكنها تعمل فى إطار سياسى مشروع كما حدث فى تركيا وباكستان.. لقد تمنيت كثيرا أن أرى اليوم الذى تصبح فيه جماعة الإخوان المسلمين حزبا سياسيا مؤثرا وفعالا فى الشارع المصرى، وأنا أعرف من رموزها من يستحق أن يأخذ مكانه ومكانته فى العمل السياسى أمثال الأستاذ مهدى عاكف ود. أبوالفتوح ود. العريان ومحمد عبدالقدوس ود. حشمت وهناك أيضا عدد من كبار مفكرينا وكتابنا الذين لا ينتمون إلى الجماعة تنظيميا ولكنهم يمثلون فصيلا فكريا متفتحا فيها.. فهل نحن على أبواب مرحلة جديدة فى تاريخ الإخوان المسلمين تفتح فيه أبوابها لتيارات سياسية مختلفة.؟. وهل نحن أمام ميلاد تيار إصلاحى جديد فى الجماعة المحظورة ربما يخرج بها من المحظور إلى المعلن؟.. لقد كان للإخوان تحفظات كثيرة على التجربة الناصرية وقد تلاشت كل هذه التحفظات أمام واقع جديد اختلفت فيه الأفكار والمفاهيم والرؤى، وكانت لهم تجربة أخرى مع السادات انتهت أيضا نهاية غير سعيدة، والآن نراهم على المسرح السياسى ينتخبون ويعارضون ويرفضون.. فلماذا لا يكون هذا الحضور عملا مشروعا بعيدا عن مراقبة الأمن ومطاردات السلطة؟
جماعة سياسيةأنا لم أنظر فى يوم من الأيام إلى جماعة الإخوان المسلمين على أساس أنها جماعة دينية تدعو للحلال وتقيم الشعائر وتوصى بالزكاة.. وهى بالفعل ليست كذلك.. إنها جماعة سياسية واضحة الأهداف والأفكار والمسئولية.. إن نشاط الإخوان المسلمين فى الشارع المصرى أبعد ما يكون عن النشاط الدينى.. إن إقامة المستوصفات والمدارس والخدمات الاجتماعية والتبرعات ودور الرعاية للمسنين والأطفال والأيتام والكتب الجامعية والملابس للطلبة والطالبات كل هذه الأنشطة الاجتماعية لا علاقة لها بالنشاط الدينى لأنها يمكن أن تجمع فى أهدافها المسلمين والأقباط.. حين يدخل شخص مريض مستوصفا أو مستشفى يتبع الإخوان المسلمين لا يسأله أحد عن عقيدته ولكنه يتلقى العلاج والدواء والرعاية مثل كل المسلمين.. هذه الأنشطة الإنسانية هى التى قربت بين الإخوان المسلمين والمواطنين، ولا أعتقد أن الإخوان يؤمون الناس فى الصلاة أو يؤذنون فى المساجد أو يقيمون الحضره.. ولو أننا نظرنا إلى آخر تشكيل لمكتب الإرشاد لاكتشفنا أن أغلب الأعضاء فيه أطباء وأساتذة فى الجامعات، وجميعهم تقريبا تخصصات علمية بارزة ومميزة ولا يوجد بينهم إلا عضو واحد من أصول الدين. إن أعضاء مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين بينهم خمسة مهندسين وأساتذة فى الهندسة هم السادة خيرت الشاطر د. محمد على بشر ود. محمد مرسى ود. محمود حسين وسعد الحسينى، ومن بين الأعضاء 7 أطباء هم الدكاترة محمود عزت ومحمد بديع ومحيى حامد ومحمود أبوزيد ومحمد المرسى وعصام العريان ومصطفى غنيمى.. ومن بين أعضاء مكتب الإرشاد أيضا أساتذة فى كليات العلوم والزراعة والطب البيطرى وهم د. محمد بديع ورشاد بيومى ومحمد غزلان وسعد الكتاتنى ود. أسامة نصرالدين.. لقد اختفى جيل كامل من علماءالدين كان على رأس هذه الجماعة والدليل أن 11 عضوا من مكتب الإرشاد أساتذة فى الجامعات المصرية وبالتحديد فى كليات عملية وعلمية وليست نظرية، ولا شك أن هذا التحول فى مسيرة الجماعة يطرح أكثر من تساؤل حول مستقبلها، وهل تعود كما كانت جماعة دينية أم أن التحول فى أهدافها وثوابتها سوف يجعلها بالضرورة أقرب للسياسة وأبعد عن الدين. هذه التركيبة الثقافية والفكرية والعلمية المميزة قد خلت تقريبا من رجال الدين ولهذا لا يمكن أن نضعها فى قوائم الجمعيات الدينية سواء فى الشعائر أو الفتوى أو الدعوة، إنهم علماء وأطباء وأصحاب فكر، ومن بين أعضاء الجماعة أيضا ألاف الأطباء والمتخصصون فى العلوم الإنسانية، وللجماعة مواقع مميزة فى النقابات المهنية خاصة نقابات الأطباء والصحفيين والمهندسين والصيادلة.. وهذه التركيبة لا تتناسب فى تقديرى مع جماعة محظورة تعمل فى الخفاء وربما تكون الانتخابات الأخيرة التى دارت فى ساحة الجماعة بداية انطلاقة جديدة نحو نشاط سياسى مشروع وواضح وصريح. لقد شهدت الساحة الانتخابات والترشيحات والنتائج وكل ذلك جرى أمام عين الدولة وسلطات الأمن وعلى صفحات الجرائد بكل ألوانها. إن هذا الوضوح وهذه الصراحة تتطلب من الطرفين إعادة دراسة الموقف بصورة أوسع وأشمل.
تغيير المنطلقاتعلى الجماعة المحظورة وقد وجدت نفسها أو أوجدت نفسها فى هذه المنظومة الجديدة أن تغير منطلقاتها الفكرية بحيث تصبح أكثر انفتاحا على الآخرين وتخرج من هذه الشرنقة التى وضعت نفسها فيها عشرات السنين.. إن من بين رموز هذه الجماعة كوكبة من العلماء وأهل الفكر والأطباء يمكن أن يشاركوا بفكرهم فى طرح مفاهيم وأفكار جديدة نحو حياة أفضل ومستقبل أكثر ثراء وتفاعلا لهذا الوطن.. كما أن للجماعة رصيدا سياسيا فى الشارع ينبغى أن يتجاوز آفاقا ثوابت مرت عليها عصور كثيرة.. يجب أن يكون للإخوان المسلمين دور ومشاركة فى حركة المجتمع المصرى بكل طوائفه وعقائده وأفكاره لأنها بالفعل مهيئة لأن تقوم بهذا الدور وسوف تستقطب فى ظل هذه الرؤى الكثيرين من أصحاب الفكر والرأى والمشورة. إن الانقسام بين صفوف الجماعة يأخذه البعض على أنه ظاهرة سلبية بينما يراه البعض الآخر ظاهرة إيجابية لأنه يفتح أبواب الحوار والخلاف والجدل وربما خرج من صفوفه من يؤمن بالعمل السياسى بعيدا عن قدسية الدين وثوابته التى نقدرها جميعا وتمثل إيمانا ويقينا فى قلوبنا ولكن ينبغى أن تظل هذه الثوابت بعيدة عن عواصف السياسة والتى تختلف تماما عن مقدسات العقائد. إن ما حدث قد يكون بداية انفتاح جديد بين الدولة والجماعة المحظورة بحيث تتهيأ الأجواء والظروف لإعلان قيام حزب جديد تتمثل فيه كل تيارات العمل السياسى داخل الإخوان المسلمين.. وسواء كانت الدولة تسعى لذلك فى الانتخابات الأخيرة للإخوان أو أن ذلك جاء من بعض رموز الجماعة فإن النتيجة واحدة؛ أن نجد هذا الكيان السياسى وقد تشكل بعيدا عن منطلقاته التراثية القديمة وأصبح جزءا من واقع سياسى ووطنى نسعى إلى تغييره نحو مستقبل أفضل. هل ما حدث فى انتخابات الإخوان المسلمين كان استقطابا أمنيا أم حركة إصلاحية داخل الجماعة أم أن كل هذه الأحداث لم تكن أكثر من مناورات بين السلطة وجماعة الإخوان، وما هى إلا حلقة من حلقات صراع قديم مازال حتى الآن قائما وإن أخذ أشكالا وصورا جديدة.
نقلا عن جريدة الشروق